مواكبة / محمد رضا البقلوطي
طوائف غبنتن ، فرقة تسجل حضورها في أغلب التظاهرات الثقافية والمهرجانات الشعبية وحتى في احتفالات الزواج من أبرز الخصائص الخارجية المميزة لهذه الفرقة بالجنوب التونسي إنها تتكون ما بين 7 إلى 11 شخصا من كبار السن لا تقل أعمارهم عن الخامسة والخمسين سنة، يرتدون قميصا وسروالا من اللون الأبيض ومن فوقهما عباءة فضفاضة ويضعون شاشية حمراء تعلوها عمامة بيضاء كذلك، يحملون منديلا أحمرا باليد اليسرى وعكازا باليد اليمنى، تتميز الفرقة بطابعها الغنائي الإفريقي الضارب في القدم، حيث تقدم مجموعة من الوصلات الموسيقية تعتمد بالأساس على نغمات الصوت و تغييراته بالاعتماد على طبلة صغيرة تعرف محليا بالشنة مصنوعة من جلد الجمل من جهة، وقصائد هزلية وملازمة على حد السواء تختلف فيها الأجناس الشعرية ولا تكون في أغلب الأحيان سهلة الفهم، يؤلفها غالبا رئيس الطائفة، ينتقدون عبرها الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
8 عناصر تونسية مسجلة على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية لدى اليونسكو:
كل هذه الخصائص والميزات أهلتها لتسجيل ملف " فنون العرض لدى طوائف غبنتن " على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو وبهذا التسجيل يرتفع عدد العناصر التونسية المسجلة على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية لدى اليونسكو إلى 8 عناصر وهي: فخار سجنان (2018) والنخلة (2019) والكسكسي (2020) وطرق الصيد بالشرفية (2020) وفنون الخط العربي (2021) والهريسة (2022) والنقش على المعادن (2023) وأخيرا ملف “فنون العرض لدى طوائف غبنتن” (2024).
وبمناسبة تسجيل عنصر"فنون العرض لدى طوايف غبنتن" على القائمة التمثيليّة للتّراث الثّقافي غير المادي للإنسانية بمنظّمة اليونسكو، أشرفت وزيرة الشؤون الثقافية السيدة أمينة الصرارفي، أمس الأول في قاعة الجهات بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، على احتفالية بهذا الحدث الثقافي والموسيقي الهام وذلك بحضور عدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدين بتونس ووالي مدنين السيد وليد الطبوبي وعدد من نواب الشعب.
لأول مرة يتم تكريم تراثنا الموسيقي دوليا:
وقد أكدت وزيرة الشؤون الثقافية على أهمية هذا الإنجاز معتبرة إياه "نجمة" أخرى تنضاف إلى سجل وطننا، إذ لأول مرة يتم تكريم تراثنا الموسيقي دوليا من خلال إدراج عنصر «فنون العرض لدى طوائف غبنتن" على القائمة التمثيليّة للتّراث الثّقافي غير المادي للإنسانية بمنظّمة اليونسكو، ودعت كافة المتدخلين في هذا الملف إلى مزيد الاعتناء بالتراث التونسي وصونه وتثمين الهوية الثقافية، مجددة شكرها إلى اللجنة العلمية المشرفة على انجاز هذا الملف. حيث تم تكريمها والمتكونة من الدكاترة الناصر البقلوطي وعماد صولة واسمهان بن بركة ومحمد الجزراوي ومحمد الناجي، فضلا عن تكريم ثلة من رؤساء الفرق لطوايف غبنتن وهم على التوالي: جمعة زراقة ومحمد تليش ومصطفى عويدات ومبارك التومي والعروسي دبوبة ومختار عويدات والحبيب التومي ومحمد الباشا رئيس الهيئة التسييرية للملف ورئيس جمعية الرابطة القلمية بمدنين، والمديرة العامة لمركز الفنون والثقافة والآداب “القصر السعيد” السيدة وجيدة السكوحي.
من جانبه أشار السيّد عماد صولة ممثل اللجنة العلمية إلى أن فنون العرض لدى طوائف غبنتن تحتوي على عنصر مركب يجمع بين الشعر والغناء والايقاع المرتبط بتأثيرات ثقافية مختلفة منذ أواخر القرن 19 إبان إلغاء الرق، وأضاف أن ملف "طوائف غبنتن" المدرج في منظمة اليونسكو قد تضمن أهمية دور الفن في إثبات الذات وتشكيل الهوية والتأسيس للتواصل الاجتماعي.
هذا وتقطن هذه الفرقة الغنائية التراثية، التي تعود أصولها لعبيد أفارقة حررهم قانون إلغاء الرق في تونس الصادر في عهد حاكم تونس أحمد باي سنة 1846، في منطقة " القصبة " التابعة لمدينة سيدي مخلوف من ولاية مدنين، وتضم 5 طوائف تتوزع حسب الانتماء العشائري، ويعيشون أساسا من الفلاحة والزراعة، إلى جانب الصيد الموسمي من خلال صيد المحار عبر الحدود البحرية وهي الحدود الشمالية.
أهمية حماية أشكال التعبير الثقافي وصونه لأجيال الغد:
وقد انتظمت هذه الاحتفالية بالتّعاون بين مركز الفنون والثقافة والآداب "القصر السعيد" والمعهد الوطني للتراث ومسرح أوبرا تونس وإدارة الموسيقى والرقص. كما اطلعت الوزيرة قبيل هذه الاحتفالية، على معرض توثيقي لفرق طوائف غبنتن وتاريخها وخاصياتها الثقافية والاجتماعية.
و للإشارة فقد تم الإعلان الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 في العاصمة أسونسيون بالبراغواي، عن تسجيل ملف "فنون العرض لدى طوائف غبنتن " على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو. حيث استضافت أسنسيون بجمهورية باراغواي الدورة التاسعة عشرة للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي في الفترة الممتدة من يوم الإثنين الموافق 2 ديسمبر إلى السبت الموافق 7 ديسمبر 2024. يشملُ التراث الثقافي غير المادي الممارسات والمعارف وأشكال التعبير التي تُقرّ المجتمعات المحلية بمكانتها المحورية في بنية هويتها الثقافية، جنباً إلى جنب مع كل ما يرتبط بها من عناصر وأماكن. تتناقل الأجيال هذا التراث الذي يتكيّف مع مرور الزمن، وهو ما يعزز الهوية ويكرّس احترام التنوع الثقافي. وتؤكد اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 أهمية حماية أشكال التعبير الثقافي وصونه لأجيال الغد وبذلك فإن التراث الثقافي غير المادي ثروة عالمية من التقاليد والممارسات الثقافية تلتزم اليونسكو بصونها وحمايتها للأجيال القادمة.
وتعرف لجنة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو لعام 2024 الطوائف في تونس بكونها فرق من المغنين الشعراء المرتبطين بقبيلة غبنتن، ويؤدي أفراد هذه الفرق الأناشيد أو الأغاني مرتدين جبة بيضاء وشاشية حمراء (قبعة)، ويرافقهم طبل تقليدي يُعرف باسم "الشنَّة". وتتألف الفرقة من قائد "الريس" ومجموعة من المؤدين الذكور "البحرية"، وتمتلك كل فرقة مجموعة فريدة من الأغاني الدينية والدنيوية التي تمزج بين الفكاهة والرصانة. تمثل هذه الممارسة الاحتفالية المتعددة الأجيال عاملاً موحِّداً يحدِّد الهوية ووسيلة لنقل الأعراف الاجتماعية.