كانت ليلة لا تُنسى في المسرح الأثري بقرطاج، وفي إطار الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، صعد الفنان اللبناني الفرنسي إبراهيم معلوف إلى الركح، ليأخذ الجمهور في رحلة موسيقية دافئة ومليئة بالمشاعر. موسيقاه لم تكن مجرد أنغام، بل كانت كلمات بدون حروف، تحكي عن الفرح والحب، وعن الحنين والسلام.
إبراهيم معلوف، ابن الحرب الذي غادر لبنان صغيرًا ليستقر في فرنسا، عاد إلى قرطاج بروح مفعمة بالحياة والشغف. عزف على ترومبيت فريدة من نوعها، صنعها والده نسيم معلوف، فأصبحت أكثر من آلة موسيقية، بل رفيقة دربه التي تنطق عمّا في قلبه. كان برفقته تسعة موسيقيين من طراز رفيع: عازفا قيثارة، عازف درامز، ساكسوفون، وخمسة على آلة الترومبيت.
ولأن الموسيقى حلم لا حدود له، أتاح معلوف الفرصة لاثنين من تلاميذ أكاديمية "مايكل أنجلو" - الأكاديمية التي أسسها بنفسه لتعليم العزف على الترومبيت مجانًا - للصعود إلى الركح ومشاركته العرض. صعد الشاب محمد والفتاة شهرزاد، وسط تصفيق حارّ من الجمهور الذي تابع اللحظة بكل تأثر. لحظة بسيطة في الشكل، لكنها حملت في طيّاتها الكثير: حلم يُلامس الواقع، ورسالة أمل تتجسّد أمام العيون.
الحفل استوحاه معلوف من يوم زفافه مع الفنانة هبة طوجي، حيث حوّل مراحل العرس إلى مقطوعات موسيقية جميلة: من لحظة الطلب، إلى رقصة العروس، مرورًا بلحظات الفرح والاحتفال. الجمهور لم يبقَ جالسًا، بل تفاعل، غنّى، وصفق، حتى شعر وكأنه جزء من الفرقة.
في لحظة مؤثرة، دعا معلوف الجمهور لإضاءة هواتفهم تضامنًا مع غزة، وقال ببساطة: "أنا مش سياسي، لكن أنا إنسان وأب، ولا أقدر أسكت عن الظلم". عزف قطعة هادئة كأنها دعاء من القلب.
ومن اللحظات التي لامست القلوب أيضًا، عزفه لأغنية "سألوني الناس" تكريمًا لزياد الرحباني، الذي توفي صباح يوم الحفل. غنّى الجمهور معه، وكأنهم يودّعونه بأغنية أحبّوها منذ سنوات.
وقبل أن ينهي الحفل، قدّم تحية خاصة لتونس، عبر مقطع موسيقي من أغنية "سيدي منصور"، فأشعل المسرح تصفيقًا وفرحًا.
هذا الحفل لم يكن عاديًا. كان لحظة صدق، ورسالة أمل، وتجسيد لقوة الموسيقى حين تخرج من القلب. إبراهيم معلوف لم يُقدم عرضًا فقط، بل شارك قصة، وأشعل في القلوب شعلة دفء وحب وأمل.