مواكبة / محمد رضا البقلوطي
تتواصل فعاليات الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس التي انطلقت يوم 1 فيفري الجاري لتتواصل إلى الثامن منه، مضمون هذه الدورة تجسيد بين الحلم والواقع، وتستحضر الحكايات القديمة وتتطلع لأفق بعيد مفتوح نحو المستقبل على وقع اناشيد الخيال ليروي كل خيط وكل حركة قصة خالدة في عالم موازٍ، عالم العرائس، حيث السحر ينبض بالحياة من خلال يد الفنان الخفية. إذ أنه بين التراث والحداثة، تحتفل الدورة السادسة بهذا الفن العريق بإضفاء الحياة على ما هو جامد، وجعل الروح ترقص في أجساد من خشب ونسيج وأحلام.
كما جاءت التجربة التونسية في فنّ العرائس متميزة وتعتبر رائدة عربيا وإقليميا من خلال خلق فضاءات حيوية للتنافس عربيا وإفريقيا وعالميا مما يدعو إلى ضرورة العمل على مزيد تثمين هذا الفنّ في تونس وإيلائه العناية اللاّزمة وتطوير موارده وإثراء آليات الفرجة فيه لما يحمله من مضامين قيّمة ترتقي بعقل المتقبّل وتسهم في تحسين مستوى تعليمه وتثقيفه، بشكل خاص لدى الأطفال والمراهقين.
دورة تحت شعار " الماريونات، فن وحياة "تكرم مبدعين لبصماتهم الفنية المؤثّرة كلّ في مجاله واختصاصه:
تقام فعاليات هذه الدورة تحت شعار «الماريونات، فن وحياة»، حاملة اسم العرائسي الكبير الراحل عبد الحق خمير، تكريما لمساره الإبداعي في هذا المجال. كما كرّمت أيام قرطاج لفنون العرائس هذه السنة كلاّ من هالة بن سعد ووسيم مبروك ومختار مرزيقي وطاهر الدريدي، لمساهمة هؤلاء في ترك بصمات فنية وإبداعية مؤثّرة كلّ في مجاله واختصاصه.
وتحتضن أغلب العروض مدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالإضافة لبرمجة 6 مسرحيات بفضاء دار المسرحي بباردو وعدد من العروض بقرية "SOS قمرت" و6 عروض بكل من ولاية نابل والمنستير والمهدية.
كما تتضمن برمجة هذه الدورة عرضين تونسيين لسهرة الافتتاح والاختتام، الأول من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس وإخراج أسامة الحنايني الذي مكن الجمهور من رحلة ابتكارية فنية سمحت باستكشاف مفهوم الاغتراب في سياقات غير تقليدية. وقدم العرض ترجمة فنية ومضمونية للعنوان "المسخ" الذي يعكس عمق الشعور الإنساني، فمصطلح المسخ، وفق أسامة الحنايني، "ما هو إلا التعبير عن التحول النفسي الداخلي الذي يعيشه الإنسان عند تعرضه لمشاكل وأزمات تنقص من إنسانيته وتشعره بالاغتراب عن نفسه وعن بيئته المحيطة كما تمثل عالم بارد تتحدد فيه قيمة الإنسان بمساهمته الإنتاجية، حتى يتحوّل إلى كائن بلا قيمة. عرض مشبع بالروح الكفكائية، بين السخرية القاتمة والتراجيديا. وهذه المسرحية العرائسية مقتبسة عن التحوّل لكافكا، بإخراج أسامة الحنايني وإنتاج كاريزما بالشراكة مع المركز الوطني لفن العرائس – مسرح الأوبرا بتونس.
هذا وتتوج الدورة بعرض الختام من إخراج حافظ زلّيط.
جديد الدورة "سينما التّحريك"، عروض السينمائية تستلهم مضامينها من فن العرائس:
كما أن الدّورة الحالية من أيام قرطاج لفنون العرائس تنظم بمشاركة 19 دولة وأكثر من 100 فنان عرائسيّ تونسي وأجنبي ... جديد الدورة "سينما التّحريك «فهي المرة الأولى التي يبرمج فيها هذا الصنف من العروض السينمائية التي تستلهم مضامينها من فن العرائس.
وكما للأطفال نصيب هام من العروض فكذلك الأسرة لها نصيبها من خلال العروض الموجهة للكبار، حيث بإمكان العائلة مجمعة عند حضورها العروض زيارة المعرض الفني الذي يشارك فيه عدد من المختصين من صانعي ومصمّمي العرائس بمختلف المحامل والمقام ببهو مدينة الثقافة إلى جانب إمكانية متابعة عروض مفتوحة للجمهور.
تعدد الأنشطة خلال هذه الدورة لتتيح للزوار والمشاركين حرية الاختيار والتمتع بمضامين متنوعة، من ذلك فقد استضاف المركز الوطني لفن العرائس في النسخة السادسة من أيام قرطاج لفنون العرائس، الفرقة البرازيلية "نازا بونكوس" في إقامة فنية استمرت لمدة 11 يومًا قبل المهرجان.
تحت إشراف باولو نازارينو و هو عرائسي و مخرج مسرحي و نحات متخصص في جماليات المعادن و مؤسس فرقة” نازا بونيكوس"بالاضافة الى العرائسية ”داليلا مازوشيني “.
قدمت هذه الفرقة عروضا في أنحاء العالم (أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى وأوروبا وأفريقيا وآسيا وبولينيزيا)، بالإضافة إلى مشاركتها في مهرجانات المسرح والعرائس الوطنية والدولية.
إذ تمثلت الإقامة في شكل ورشة عمل جماعي في صناعة عروسة عملاقة، تجسد شخصية تاريخية أو خيالية، على غرار تلك التي تظهر في عروض الفرقة البرازيلية. تتوجه هذه الورشة إلى العرائسيين والنحاتين وطلاب الفنون الجميلة والفنون المسرحية.
ورشات تكوينية وفنية لتعليم صناعة وتحريك العرائس:
وبذلك لا تقتصر فعاليات الأيام على العروض فحسب بل تشمل أيضًا 11 ورشة عمل فنية لتعليم صناعة وتحريك العرائس مجموعة الورشات التكوينية هذه تتمركز في تونس وفي عدد من الجهات أيضا، منها المخصّصة للأطفال واليافعين على غرار العروسة العلاجية وتصميم عروسة (ساعي البريد) وعروسة في دقيقة وورشة صناعة مسرح "الكاميشيباي" وورشات أخرى موجّهة للطلبة والمحترفين أهمّها الإقامة الفنية في صنع العروسة العملاقة وورشة تحريك العروسة المحمولة وورشة الأقنعة وروح النخلة وعروسة الخيط بتقنيات حديثة، كما تخصّص ورشات لإطارات الطفولة في اختصاصات خيال الظلّ وعروسة الفم المتحرّك وورشة بعنوان "ماذا تحكي لنا الخيالات، خيال الظل بتقنيات حديثة " وورشة القولبة والعروسة ثنائية التحريك ...
ولئن تتعدد الورشات فهي تمثل أحد عناصر نجاح هذا المهرجان العرائسي حيث يجد المشاركون ضالتهم من ذلك ورشة عروسة في دقيقة (FAST PUPPET) مع نجيبة النوري، اميمة المجادي وخلود الناعس. ورشة تصميم العرائس، تصميم ساعي البريد مع عبد السلام جمل - أطفال ويافعين؛ ورشة ماذا تحكي لنا الخيالات، خيال الظل بتقنيات حديثة مع هادي كريسعان موجه إطارات طفولة ولاية تونس؛ صور ورشة القولبة STop Motion ، ورشة موجهة لإطارات الطفولة ولاية منوبة قطاع خاصّ تأطير ميادة جمعة ورشة عروسة الفم المتحرك مع جيهان اللجمي - ورشة موجهة للأطفال؛ ورشة خيال الظل مع حمزة بن عون موجهة للأطفال ورشة الأقنعة وروح النخلة مع حسان المري موجه لطلبة ومحترفي المعهد العالي لإطارات الطفولة بقرطاج درمش.
خبراء دوليون يثرون "ماستر كلاس" بتجارب رائدة:
إضافة إلى هذه الورشات 4 ماستر كلاس يقدمها خبراء دوليون في هذا المجال. تتناول مواضيع مثل "مستقبل فنون العرائس في السعودية، استئناسا بالتجربة التونسية " لماجد العبيّد من السعودية توقيع ومناقشة الكتاب لعدنان سلوم من سوريا حول "فنون العرائس في التراث العربي" بالإضافة لمحاور أخرى من تجارب دولية أخرى مثل تكنولوجيا الماريونات بألمانيا ورومانيا والبرازيل ...
وفي جولة مع عروض الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس نتوقف عند أبرزها من ذلك عرض "انصهار" - مؤسسة ربع قرن للمسرح - الإمارات العربية المتحدة، مثلت لحظات ساحرة عاشها الجمهور مع الدمى والأقنعة، في رحلة بين التبعية والاستقلال، حيث تحول الفن إلى لغة بصرية آسرة. كذلك سيرك "فيلو الصغير" عرض جمع بين العرائس، الرقص، والفنون البصرية، قدمته الفنانة الإيطالية أنتونيدا داسينزي، حيث رافق الجمهور العروسة في رحلتها بين الحلم والواقع . عرض آخر الديناصور المسمى إيغو" في مغامرة غير متوقعة! حيث يعيش إيغو في عالم مليء بالمخاطر، لكنه يجد رفيقًا غير متوقع بيضة غامضة! إنها مغامرات شيّقة وصداقة غير متوقعة في عرض رائع أخرجه كولتسوف ديمتري.
العرض الاول العالمي في تونس ضمن الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس:
"الفتاة ذات الحقيبة الصغيرة " عرض اول عالميا يعرض في تونس ضمن الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس وهو عرض مسرحي عالمي موجه للأطفال والعائلات، يمزج بين العرائس والرقص بأسلوب مبتكر يعتمد على الصور والموسيقى وفن خيال الظل. يروي العرض قصة فتاة صغيرة تجد نفسها في عالم مليء بالتحديات التي يواجهها الكبار، لكنها ترى هذا العالم بعين الطفولة. تعيش الفتاة تجارب متنوعة من الشدائد والخوف إلى الصداقة والتضامن، والمسؤولية والرغبة، وحتى التنمر والخسارة. أسلحتها الوحيدة في مواجهة هذا العالم هي براءتها، فضولها، عنادها، إحساسها وأحلامها.
سيتم تقديم هذا العرض المميز لأول مرة في تونس والعالم، ضمن فعاليات الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس. هذا العرض من إبداع الفنان العالمي ديميتريس ستامو، أحد أبرز رواد فن العرائس. وُلد ستامو في أثينا عام 1972، وهو عضو مؤسس لفرقة مسرح “ميرلين” للعرائس. يحمل في رصيده كتابة وإخراج العديد من المسرحيات التي جابت أكثر من 42 دولة وحصدت تسع جوائز مسرحية دولية. كما يعد هذا العمل تحفة فنية تمثل لقاءً بين الطفولة والإبداع، ليأسر الجمهور برسائله العميقة وصوره الفنية الفريدة.
عروض فريدة تمزج بين الفن والقضايا الإنسانية والبيئية بطريقة مبتكرة:
ومن العروض المفتوحة التي استقبلها بهو مدينة الثقافة عرض "كوثي" من إخراج مسرح تريك تريك من إستونيا، باستخدام الدمى الخشبية الميكانيكية يجسد حفل زفاف الأميرة، تعكر الأجواء عندما يبدأ “محاربو الغراب القديم” بمهاجمة القلعة. عرض مليء بالحركة والتشويق، حيث يلتقي الخيال بالآليات الميكانيكية في عرض فني مذهل. كما أقيم ببهو مدينة الثقافة عرض "حكايات خلية النحل" أبرز واقع عندما يلتقي المسرح بالحياة، تتجسد القصص في فضاء من التوازن والتعاون! عرض فريد يمزج بين الفن والقضايا الإنسانية والبيئية بطريقة مبتكرة.
عرض آخر داخل القاعات لقي إقبالا بعنوان "مومنتوم" قصة امرأة شابة تجد نفسها في صراع داخلي بين الخوف والحب، وتواجه نقاط ضعفها لتتخطاها. عرض مليء بالتحديات والأسئلة حول قوتنا الحقيقية في مواجهة الضغوطات الخارجية. كما جاء عرض "ليمبا "ليؤكد أنه عندما تصبح الشهرة سجنًا، تبحث الحرية عن مخرج… ليست مجرد قصة، بل صرخة من أجل الحياة والعدالة للحيوانات البرية. عرض مذهل يجمع بين الفن والرسالة العميقة!
فبالإضافة إلى العروض بمدينة الثقافة استقبلت فضاءات أخرى عديد العروض من ذلك فضاء دار المسرحي بباردو الذي احتضن عرض "حكاية فلاح" من إخراج أيمن النخيلي وبإنتاج شركة كرنف-آر.
قصة يوسف الفلاح الذي يواجه تحديات كبيرة بعد تدمير محاصيله بسبب الرياح الشمالية. مع علبة سحرية، تبدأ رحلته نحو الأمل والتغيير، في مواجهة الجشع والفقر.