مواكبة / محمد رضا البقلوطي
تعد العدالة الاجتماعية مطلبا حيويا ملحا تمليه القيم الإنسانية وتؤسس له القوانين الدولية الداعية إلى تعزيز حقوق الإنسان الكونية، لا سيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بشروط العيش الكريم كالصحة والتعليم والشغل والسكن، وذلك على أسس المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص.
واعتبارا لأهمية هذا الموضوع فتتوجه الأنظار اليوم إلى حدث مهم إنه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية نحتفل به في 20 فيفري من كل سنة ويشمل الجهود المبذولة لمعالجة قضايا مثل الفقر والبطالة والحماية الاجتماعية وفق ما تنص بنود الإعلان العالمي للعدالة الاجتماعية على مكافحة البطالة وضمان فرص العمل للجميع وتحقيق التماسك الاجتماعي من خلال محاربة الفقر والتمييز، وتأمين بنية مؤسساتية واقتصادية مستدامة لتدعيم العمالة وتعزيزها، وتشجيع الحوار الاجتماعي من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية، واحترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل وتحقيق الحرية الثقافية. وأما سبل تعزيز العدالة الاجتماعية في العالم العربي، هي الحاجة إلى نمط جديد للتنمية يقوم على أسس التنمية المستدامة، وإعادة النظر في الحدين الأدنى والأعلى للأجور، واتخاذ سياق يعتمد الهيكل النسبي للأجور لكل قطاع، وكذلك إعادة النظر في السياسة الضريبية التي تقوم على خفض الضرائب، وعدم الإفراط في تدرج الضرائب للحفاظ على الموازين المالية، وتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي وتوسيع مظلة التأمينات الاجتماعية. وقد خصصت الأمم المتحدة هذا اليوم، نظرا لافتقار 80% من سكان عالم للخدمات الاجتماعية الأساسية وازدياد عدم التكافؤ.
وبحسب بيان لـ الأمم المتحدة، دعا مسؤولو الأمم المتحدة إلى حقبة جديدة من العدالة الاجتماعية توفر الخدمات الأساسية وفرص العمل اللائق وتضمن حماية الفقراء والمهمشين. وقد بدأ الاهتمام بالعدالة الاجتماعية في العالم منذ سنة 1995 حين عقد مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية بالعاصمة الدانماركية كوبنهاغن، وتوج ب"إعلان كوبنهاغن" الذي أكد على ضرورة العلاقة التبادلية بين العدالة الاجتماعية والأمن والسلام، باعتبارهما ضروريين لتحقيق العدالة الاجتماعية.
للعدالة الاجتماعية جذور تاريخية:
هذا وقد اعتمدت منظمة العمل الدولية بالإجماع، في 10 جوان 2008، إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة. وهذا هو البيان الرئيسي الثالث حول المبادئ والسياسات، الذي يعتمده مؤتمر العمل الدولي منذ دستور منظمة العمل الدولية عام 1919. وهو يستند إلى إعلان فيلادلفيا لعام 1944 وإلى إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل لعام 1998. ويجسّد إعلان عام 2008 الرؤية المعاصرة لولاية منظمة العمل الدولية في عصر العولمة.
وهذا الإعلان التاريخي إنما هو إعادة تأكيد حازمة للقيم التي تتحلى بها منظمة العمل الدولية. وهو حصيلة المشاورات الثلاثية التي استهلت في أعقاب صدور تقرير اللجنة العالمية المعنية بالبعد الاجتماعي للعولمة. وباعتماد هذا النص، يشدد ممثلو الحكومات ومنظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال من 182دولة عضواً، على الدور الرئيسي الذي تضطلع به منظمتنا الثلاثية في المساعدة على إحراز التقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية في سياق العولمة. وهم يلتزمون معاً بتعزيز قدرة منظمة العمل الدولية على المضي قدماً بهذه الأهداف من خلال برنامج العمل اللائق. ويضفي الإعلان صبغة مؤسسية على مفهوم العمل اللائق الذي وضعته منظمة العمل الدولية منذ عام 1999، بحيث بات في صميم سياساتها من أجل تحقيق أهدافها الدستورية.
ويأتي الإعلان في فترة سياسية حاسمة ويعكس توافق الآراء الواسع حول الحاجة إلى بعد اجتماعي متين للعولمة لتحقيق نواتج محسنة ومنصفة للجميع. وهو يشكل إطاراً للنهوض بعولمة عادلة قائمة على العمل اللائق، وأداة عملية لتسريع التقدم في تنفيذ برنامج العمل اللائق على المستوى القطري. وهو يعكس أيضاً نظرة استشرافية منتجة من خلال تسليط الضوء على أهمية المنشآت المستدامة في خلق المزيد من فرص العمل وفرص الدخل للجميع.
كما أن أُسس العدالة الاجتماعية لها جذور تاريخية من حيث الدعوة إلى واقع إنساني أسمى و المساواة الإنسانية و التكافل الاجتماعي كذلك التحرر الوجداني كما أ نَّ إقامة العدل بين الناس أفراداً، وجماعاتٍ ودولاً، ليست من الأمور التطوُّعيَّة التي تُترك لمزاج الحاكم، أو الأمير، وهواه، بل إنَّ إقامة العدل بين الناس في الدِّين الإسلامي تعدُّ من أقدس الواجبات، وأهمِّها، وقد أجمعت الأمَّة على وجوب العدل كذلك تُعد فكرة العدالة الاجتماعية فكرة متكاملة ولا يمكن فصلها أو تجزئتها عن حقوق الإنسان فالإنسان كفرد في المجتمع يتمتع بالحقوق التي يتساوى فيها مع جميع الأفراد وهي الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والحرية السياسية والمدنية التي كفلها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى أنها فكرة تأتي أيضا بالتكامل مع تلبية الحاجات...
تصدير النهوض بالعدالة الاجتماعية بوصفه أولوية سياسية قصوى على كافة المستويات:
من جهتها أكدت الأمم المتحدة، أن مفهوم تعزيز العدالة الاجتماعية ينبغي أن يكون الهدف الرئيس الذي تسترشد به كل السياسات الوطنية والدولية، وقد لاقت هذه الفكرة قبولا بين المؤيدين الذين يزعمون أن تصدر العدالة الاجتماعية سلم الأولويات ييسر للمجتمعات وللاقتصادات العمل بأسلوب أكثر تماسكا. ويضيف المؤيدون لتلك الفكرة، إن تعزيز العمل اللائق وجدول أعمال العولمة العادلة التي تركز على الحقوق الأساسية، وفرص العمل، والحماية الاجتماعية، والحوار الاجتماعي البناء بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال، هي جميعها المفتاح لوضع العدالة الاجتماعية موضع القلب.
في مثل هذه المناسبة تتعدد اللقاءات ومنابر الحوار لتقديم المقترحات الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية مسائل من مثل تحسين إدارة العمل الشاملة والفعالة، وإتاحة فرص العمل والتعلم مدى الحياة، وإصلاح المؤسسات لتحقيق نتائج أكثر عدالة في سوق العمل، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية في معايش الناس. ويُروج لنهج متكامل في كافة هذه المجالات.
ويتزايد الدعم لإنشاء تحالف عالمي واسع النطاق من أجل العدالة الاجتماعية. ويراد من ذلك التحالف المقترح تعزيز التعاون المتعدد الأطراف والسياسات المتوافقة التي تركز على تعزيز أهداف العدالة الاجتماعية. ويمكن أن يسلط الضوء على المبادرات المؤثرة التي نجحت في تعزيز العدالة الاجتماعية في كافة أنحاء العالم. وسيُناط بالقائمين على التحالف تيسير المناقشات الاجتماعية الوطنية البناءة لتحديد فجوات العدالة الاجتماعية ومعالجتها. وبوجه عام، توجد دعوات تحث على بذل جهود منسقة لتصدير النهوض بالعدالة الاجتماعية بوصفه أولوية سياسية قصوى على كافة المستويات.