متابعة / محمد رضا البقلوطي
احتفلت تونس أمس إلى جانب كل الدول باليوم العالمي للماء الموافق للثاني والعشرين من مارس، في هذه المناسبة يتم تسليط الضوء على أهمية المياه واستلهام الإجراءات الرامية إلى التصدي للأزمة العالمية للمياه.
ومن المجالات الرئيسية التي يركّز عليها يوم المياه العالمي دعم تحقيق الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة، وهو ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030. كما أن يوم المياه العالمي هو احتفال سنوي تقيمه الأمم المتحدة، يركز على أهمية المياه العذبة، وتنسّق فعالياته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، ويتولى شؤونه عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة وشركائها الذين لديهم ولاية ذات صلة بمواضيعه.
لذلك فإنه في الفترة التي تسبق 22 مارس، يشارك أشخاص ومنظمات في الحملة العامة العالمية، ويستضيفون فعاليات يوم المياه العالمي ويروجون للموضوع من خلال الاتصالات والدعوة ووسائط التواصل الاجتماعي. وفي اليوم ذاته، يصدر تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية ويركز التقرير على ذات موضوع الحملة، ويقدم توصيات لصانعي القرار بشأن التوجهات السياسية. وتصل الحملة إلى جمهور عالمي عبر الإنترنت من مليارات الأشخاص ويشارك في إطارها آلاف الأشخاص على أرض الواقع في الحوار والمناقشة، وزيادة الوعي وتوجيه عملية صنع القرار في جميع أنحاء العالم.
لذلك فإنه في الفترة التي تسبق 22 مارس، يشارك أشخاص ومنظمات في الحملة العامة العالمية، ويستضيفون فعاليات يوم المياه العالمي ويروجون للموضوع من خلال الاتصالات والدعوة ووسائط التواصل الاجتماعي. وفي اليوم ذاته، يصدر تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية ويركز التقرير على ذات موضوع الحملة، ويقدم توصيات لصانعي القرار بشأن التوجهات السياسية. وتصل الحملة إلى جمهور عالمي عبر الإنترنت من مليارات الأشخاص ويشارك في إطارها آلاف الأشخاص على أرض الواقع في الحوار والمناقشة، وزيادة الوعي وتوجيه عملية صنع القرار في جميع أنحاء العالم.
الحق في الماء بين التشريعات والواقع:
وفي إطار احتفالات مختلف مكونات المجتمع المدني بهذه المناسبة تتنوع البرامج والتظاهرات والبيانات، من ذلك فقد نظم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالقيروان أمس ندوة صحفية تحت عنوان:" الحق في الماء بين التشريعات والواقع "تم خلالها عرض أرقام وإحصائيات حول الاحتجاجات المائية في ولاية القيروان مع شهادات حية لضحايا العطش وذلك في إطار المناصرة الإعلامية لمطالبهم في التمتع بالماء الصالح للشرب كما وجودة وبالسعر المناسب.
وجاءت هذه الندوة في إطار إحياء تونس كباقي دول العالم يوم 22 مارس اليوم العالمي للمياه تحت عنوان: «المياه من أجل السلام « بهدف التأكيد على أهمية موارد المياه العذبة وزيادة الوعي حول عدد الأفراد الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب في جميع أنحاء العالم، هذا بالإضافة الى الدفع نحو تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة والذي ينص على ضمان حصول الجميع على المياه النظيفة والصرف الصحي بحلول عام 2030 بالإضافة إلى تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه المياه في تعزيز السلام والاستقرار. فهل ان حوكمة قطاع المياه في تونس اليوم تساهم في إرساء السلام أم أنها على العكس من ذلك تزعزع السلم الاجتماعي وتسارع من وتيرة النزاعات والصراعات من أجل الماء؟
إذ تزداد حدة ازمة المياه يوما بعد يوم في ظل تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية وضعف التساقطات واستنزاف المائدة المائية وما يقابله من فشل الخيارات والسياسات المائية التي تنتهجها الدولة، مما يفاقم من افتقار المواطنين إلى فرص متكافئة للحصول على حقهم في ماء آمن وذي جودة.
توفر الماء بكمية كافية وجودة مضمونة مؤشر على احترام كرامة الفرد وصون إنسانيته:
هذا وتمر هذه المناسبة على البلاد التونسية في وقت تحتدّ فيه أزمة العطش وتتزايد فيها عدد التحركات البيئية المنادية بالحق في الماء، والتي امتدت تقريبا إلى كافة مناطق البلاد، لتزعزع السلم الاجتماعي وتعيد إلى الأذهان السؤال الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي: " ما الذي يقف أمام توفير الماء كمًا وجودة للجميع داخل بلادنا؟"
إذ يعتبر الحق في الماء حقا أساسيا نصّ عليه الدستور في فصله 48 وصادقت عليه تونس في العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية، وهو شرط مسبق لإعمال الحقوق الأخرى مثل التعليم والصحة كما أن توفره بكمية كافية وجودة مضمونة هو مؤشر على احترام كرامة الفرد وصون إنسانيته. ومع ذلك لا يزال أكثر من 650 ألف فرد في تونس محرومين من المياه في بيوتهم، حسب تقرير زيارة المقرر الأممي الخاص بالحق في الماء والصرف لتونس سنة 2022. ولا تزال التجمعات السكنية في المناطق الريفية المعزولة تفتقر الى هذا المورد الحياتي حيث يعتمد السكان على المياه المتأتية من المستنقعات والأودية والبرك للإيفاء باحتياجاتهم من الماء مما ينجر عنه مخاطر عديدة تهدد صحتهم.
ومع تزايد حدة التغيرات المناخية تتتالى سنوات الجفاف وتتراجع إيرادات الأمطار حيث لم تتجاوز نسبة تعبئة السدود 38 % إلى حدود اليوم. ومن المؤكد أن الأمر سيزداد تعقيدا خاصة مع تزايد الضغط على الموارد وتنامي عدد السكان والاستهلاك وبالتالي سوف يتواصل تراجع نصيب الفرد من المياه الذي تقهقر في السنوات الأخيرة ليصل إلى 350 متر مكعب في السنة وهو ما يعني الدخول فعليا في مرحلة الشح المائي. ولا يزال إلى حد اللحظة أطفال المدارس العمومية بالمناطق الريفية يعانون ويلات العطش حيث يغيب الماء بشكل كلي على 12بالمئة من مجموع المؤسسات التربوية. بينما تتزود 834 مدرسة عبر الجمعيات المائية التي تعاني هي بدورها من إشكاليات مادية وهيكلية تتسبب في انقطاعات متكررة. كما تفتقر ما يقارب 128 مدرسة ابتدائية إلى الوحدات الصحية، يتركز 74 منها في ولايات الوسط الغربي (القصرين، سيدي بوزيد، القيروان). وقد أدى غياب الماء إلى بروز تداعيات وخيمة على صحة التلاميذ مع انتشار مرض التهاب الكبد الفيروسي كما أثر سلبا على تحصيلهم العلمي وفاقم من ظاهرة الانقطاع المدرسي... ذلك مما جاء في بيان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمناسبة حيث قدم كذلك جملة من التوصيات من بينها : توفير الماء للجميع على قدم المساواة، التعامل مع الثروة المائية من منطلق مقاربة حقوقية تضع حق الافراد في مياه نظيفة وآمنة في مقدمة الأولويات وتشرع لذلك من أجل الحفاظ على السلم المجتمعي، ترشيد التصرف في الموارد المائية وتكثف الرقابة عليها وحمايتها من الاعتداءات المتواصلة التي تطالها وأن تضع حدا للاستغلال العشوائي ومنح رخص التنقيب والاستغلال عن طريق المحسوبية والمحاباة، كذلك الاهتمام قبل بداية العام الدراسي القادم، بتوفير مياه الشرب ودورات المياه في المدارس الابتدائية العمومية بنفس القدر من الاهتمام بتحسين المناهج الدراسية وإعداد المرافق التعليمية، مع العمل على ضمان الشفافية في توفير المعلومات المتعلقة بالموارد المائية، والتسريع في مناقشة مشروع مجلة المياه العالق منذ 2019 مع الأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني، وتبنى سياسة تعبئة وتخزين ناجعة لمياه الأمطار وهو أمر ضروري لتفادي النقص في مياه الشرب والذي يصعب التنبؤ به في ظل المتغيرات المناخية، مع الاعتراف بوضع الإجهاد والشح المائي الذي تعيش على وقعه البلاد منذ سنوات والعمل على وضع إستراتيجية إنقاذ وطنية وصياغة خطط مندمجة بالشراكة مع القوى المدنية والمواطنية...
منظمة "إيسيسكو " تدعو إلى التعاون والعمل المشترك لضمان حق الوصول إلى مياه آمنة ونظيفة:
وعلى الصعيد الإقليمي وبهذه المناسبة، نبهت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في بيان لها إلى ندرة المياه في معظم دول العالم الإسلامي، ودعت إلى التعاون والعمل المشترك، لضمان حق الوصول إلى مياه آمنة ونظيفة، خاصة وأن 29 دولة من هذه الدول تعاني من الإجهاد المائي، من ضمنها 18 دولة ذات مستوى إجهاد حرج، كما أن متوسط موارد المياه المتجددة فيها لا يتجاوز 3,806 متر مكعب للفرد سنويا، فيما يبلغ المتوسط العالمي 7,027 متر مكعب للفرد، مما يبرز الأهمية القصوى لترشيد الاستفادة من الموارد المائية. في هذا السياق، أكدت الإيسيسكو التزامها الثابت بالنهوض بالإدارة المستدامة للموارد المائية، وحماية البيئة، وتعزيز السلام والأمن، عبر تكثيف جهودها بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات ومراكز الأبحاث الدولية والإقليمية العاملة في المجال، لمواجهة أسباب الفقر المائي وتداعياته، وحث المجتمع الدولي على السعي لبناء مستقبل يتمتع فيه كل فرد، بغض النظر عن موقعه الجغرافي، بحق الوصول المستدام إلى مياه نظيفة.
وفي إطار ما توليه الإيسيسكو من اهتمام كبير لقضايا التغيرات المناخية داخل دولها الأعضاء، ومنها قضية ندرة المياه، تساهم المنظمة في معالجة التحديات الناجمة عن هذه المخاطر، من خلال إطلاق عدد من البرامج الهادفة إلى تحسين إدارة الموارد المائية، وفي مقدمتها برنامج الإيسيسكو لتحسين جودة المياه وخدمات الصرف الصحي في المدارس الريفية بعدد من دول العالم الإسلامي.
وواصلت الإيسيسكو في اليوم العالمي للمياه التأكيد على أهمية تعزيز تبادل الخبرات الدولية والإقليمية، في بناء قدرات علمية وريادية تستطيع مواجهة تحديات المستقبل في مجالات الأمن المائي والأمن الغذائي والتنوع البيولوجي وإدارة الأزمات، لضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإرساء أسس السلام المستدام.
الانقطاعات الداخلية المتكررة للمياه الصالحة للشرب ، الواقع والحلول:
وفي الشأن الداخلي فإن الماء يبقى دوما أساس الحياة لذلك يتشبث به الإنسان ويعتبره الأولوية المطلقة في عيشه حيث تضمن الدساتير في مختلف دول العالم بكونه حقا مشروعا وأساسيا، غير انه نظرا للتغيرات المناخية أصبحنا نعيش شحا مائيا كبيرا في غياب الأمطار. مما ينتج عنه ضعفا في المخزون المائي إذ تعيش عديد المناطق بالبلاد ندرة في مياه الشرب من ذلك صيحة فزع متساكني صفاقس خلال الفترة الأخيرة في ظل الانقطاعات المتكررة للمياه ولكن كانت الكثير من الحالات نتيجة إصلاحات قنوات المياه أو تجديد الشبكة نظرا لتقادمها. وقد طالت مدة انتظار المتساكنين لعودة طبيعية للثروة المائية لذلك زاد الوضع حدة مع منطلق شهر رمضان من حيث انقطاع الماء أو تدني في الكمية بصفة ملحوظة...
و في مواكبة للوضع في الأيام السابقة تمت ملاحظة تراجعا في كمية الماء انطلاقا من الظهيرة إلى ساعة متأخرة من الليل في حين شهدت بعض الأحياء انقطاعا متواصلا ... و لئن تواصلت الجهود لتدارك الوضع تدريجيا فإن الضرورة تقتضي إيجاد حلول جذرية تضمن الاستقرار في التزود المستمر بالماء و التسريع في استكمال إنجاز محطة تحلية المياه بقرقور بضواحي مدينة صفاقس، و في انتظار ذلك السعي لإقرار خطة اتصالية بمشاركة فاعلة من مختلف الأطراف من الشركة الوطنية لاستغلال و توزيع المياه و المجتمع المدني ووسائل الإعلام للتواصل المستمر مع المواطنين قبل و أثناء الانقطاعات و التصرف في الجوانب اللوجستية و الإعلام بها مع اعتماد نظام العمل بحصص التزود و تعبئة الخزانات و التحكم في المخزون و التصرف في التوزيع...
وإزاء الطاقة المائية المحدودة مقابل تزايد كميات الاستهلاك تبعا للتوسع العمراني فالجهود تقتضي من مختلف الأطراف إلى اعتبار المياه ثروة وطنية يجب توفيرها والمحافظة عليها والتوعية بأهمية الحفاظ عليها والاستغلال الأمثل واليقظة المستمرة بعدم التبذير سواء من المستهلك أو عند حصول الاعطاب في المسالك المائية والقنوات التي اهترأت، لذلك فالأعلام بمثل هذه الاعطاب ضرورة ملحة عند ملاحظتها داخل الأحياء...
موضوع آخر يعيشه المواطن وهي الترتيبات لتمتعه باستغلال الماء من جديد بعد قطع العداد او إدخال الشبكة للمرة الأولى، إذ تطالبه الشركة برخصة من البلدية على أساس الترخيص في قطع الطريق لإيصال شبكة المياه من القناة الرئيسية والتي تكون عادة على بعض أمتار إلى حدود منزله وتوظف البلدية معلوما لتسلم تلك الرخصة في حين أن مسؤولية إصلاح قطع الطريق تتولاها شركة صوناد إذ تبادر بإصلاح ما تم حفره بصفة مباشرة في إطار مهامها لإعادة وضع الطريق على حاله.
وفي متابعتنا لعديد الوضعيات مؤخرا بصفاقس من حيث رغبة المواطنين من تسهيلات إدارية وتنظيمية لتمكينهم من استغلال شبكة المياه فقد تم التوصل إلى تكوين لجنة مشتركة تضم مختلف المتدخلين من: البلدية، الصوناد، الستاغ، ديوان التطهير ... للنظر في مطالب المواطنين والتعجيل لإيجاد الحلول العملية في الشأن وحصولهم على الخدمات الضرورية والمستعجلة لضمان استغلال شبكة المياه الصالحة للشرب.
وتبقى الدعوة مستمرة لتواصل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه جهودها من أجل خدمة أمثل للمواطن وتقديم التسهيلات والابتعاد عن الاحتقان ضمانا لعلاقة متميزة وشفافة وضمانا لحياة أفضل وليبقى دوما الماء من الضروريات المتاحة بأيسر السبل لجميع المواطنين في كافة الجهات من الجمهورية.